آثار صحيّة ونفسية صادمة على الأطفال جرّاء التعلم عن بعد
لا شكّ أنّ قطاع التّعليم هو من أكثر القطاعات التي تأثّرت جرّاء جائحة فيروس كورونا. فدخل فجأةً مصطلح “التعليم عن بعد” إلى يوميّاتنا رغم عدم جهوزّية “البنى التحتية” المخصّصة له في لبنان، كالإنترنت السّريع أو حتى الأجهزة الالكترونيّة في المنازل. هذا التّغيير الجذري في طريقة التعليم أثّر بشكل كبير على صحّة الأطفال الجسديّة والنفسيّة.
عام دراسي إستثنائيّ
لم يبدأ العام الدراسي 2020 – 2021 بشكله الطبيعي، فبدت المدارس خالية من الضّجيج، والمقاعد الدراسيّة فارغة من التلاميذ. تروي إحدى التلميذات لـ”أحوال” أنها استحدثت زاوية مخصصّة في منزلها للدرس، حيث تتراوح ساعات الدرس “أونلاين” يوميًّا بين 4 و8 ساعات. أي 4 أو 8 ساعات يكون فيها التلميذ جالسًا على كرسي غير طبّي وربّما طريقة جلوسه غير صحيّة. فما هي تأثيرات هذا الأمر على صحّة التّلميذ؟
آلام في الرقبة والكتف
“30% من الآباء يلاحظون أنّ أطفالهم يعانون من عوارض صحيّة بعد قضاء أكثر من ساعتين أمام شاشة الكمبيوتر مثل الصداع، الألم في الرقبة والكتف وغيرها”، بحسب مجلس الرؤية الأميركي The Vision Council.
هذه الدراسة، تتلاقى مع ما رَوَتهُ لنا التّلميذة، حيث بدأت تعاني من آلام في الرّقبة والظّهر وأحيانًا في العيون، وذلك بعد نحو شهرين من بدء التّعليم عن بعد.
في هذا الإطار، تقول المعالجة الفيزيائية بيرلا قشوع أن “التعليم عن بعد يؤثّر على صحّة الأطفال بطريقة سلبيّة”، مضيفةً أن “أول ما سيواجهه الطّفل هو الآلام في الرقبة والكتف، وذلك بسبب وضعيّات الجلوس الخاطئة التي يتخذها”.
هذا وتقول قشّوع لـ”أحوال” أن “الجلوس بوضعيّة خاطئة لوقت طويل وبشكل مستمرّ ويوميّ قد يؤدّي إلى التهاب الأوتار، وهو المشكلة الأكثر شيوعًا؛ بالتّالي سيواجه الطّفل ألماً في الكوع أو السّاعد أو اليد، بالإضافة إلى إجهاد العضلات ككلّ. وبحال تطوّرت مشاكل تصلّب العضلات، ستؤدّي حتماً إلى الشّعور بعدم الراحة والألم، نظرًا لأنّ الأطفال في سنّ النّمو، وبالتالي هم بحاجة إلى اللّعب وممارسة تمارين رياضيّة.
لم تنتهِ آثار “التّعليم عن بعد” على صحّة الأطفال هنا. إذ تقول قشّوع، من المعلوم أن الأطفال يتمتّعون بحركة أكبر مقارنةً بالبالغين، وغياب هذه الحركة سيؤدّي الى مشاكل صحيّة، كالسمنة في سنّ مبكر بسبب نقص نشاط القلب والأوعية الدموية، وقلة حركة العضلات، وحمض “اللاكتيك” الذّي يمكن أن يتراكم في المفاصل.
خطوات لتجنب المشكل الصحية للطفل
بالطّبع، يبقى “التعليم عن بعد” الحلّ الأنسب لتجنّب انتشار كورونا في المدارس، ولكنّ لتفادي الوقوع في مشاكل صحيّة لدى الطّفل خلال هذه الفترة، عليه القيام بخطوات سهلة وبسيطة، بحسب قشّوع:
1- من المهمّ جدًّا ممارسة بعض حركات “السترتشينغ” بين الفصل والآخر، كالمشي في أنحاء الغرفة أو المنزل، بالإضافة إلى دوائر الكتف واليد، وغيرها من الحركات التي تساهم في تحريك العضلات والجسم.
2- شرب الماء بشكل منتظم.
3- بعد الإنتهاء من الحصص “أونلاين”، على الطفل أن يحظى بساعتين أقلّه من الجري أو اللّعب، ليتخلّص من الخمول الجسدي ولإعادة احياء دورته الدموية.
الوضعية الصحيحة أمام الكمبيوتر
في ما خصّ وضعيّة الجلوس الصّحيحة واللازمة أمام الكمبيوتر، تشير قشّوع إلى أن الطّفل يجب أن يجلس بشكل 90 درجة على مفصل الكرسي، الذي من الضروري أن يوّفر دعمًا للظهر.
من الناحية المثالية، إذا كانت أرجل الطّفل لا تلامس الأرض، فيجب أن يكون لديه مسندًا لقدميه تحتهما. كما يجب أن تكون المسافة بين المكان الذي يجلس فيه والشّاشة تساوي نحو قدم واحدة، ومن المهمّ أيضًا إبقاء الشاشة في مستوى العين.
آثار نفسية سلبيّة للـ”التعلم عن بعد”
كان للتغيّرات الفجائية في طريقة التّعليم وقع سلبي على الصحّة النفسية للأطفال والمراهقين. وتشير المعالجة النفسية غاييل مشعلاني إلى أن “القلق الزائد هو من أبرز آثار تغيير طريقة التعليم وإنخفاض الحركة الجسدية والتّفاعل الإجتماعي”، موضحةً أن للقلق أوجه عدّة كالقلق من خسارة الأصدقاء ومن المستقبل وغيرها”.
وتضيف في حديث لـ”أحوال” أن “الشعور بالوحدة هو من نتائج تأثير التعليم عن بعد على الأطفال أيضًا”. ولا تخفي مشعلاني نسبة تأثير كلّ هذه الأمور على علامات الطفل المدرسيّة. وتلفت الى أن كل شخص يتأثّر بطريقة مختلفة عن الآخر.
أما عن تأثير توقّف الأنشطة المدرسة واللقاءات مع الأصدقاء في المدرسة، فتميّز مشعلاني هنا “بين الأطفال الذين يعوّضون عن هذه الأنشطة بالإعتماد على أهلهم في المنزل، وبين المراهقين الذين يولد لديهم القلق من إلغاء هذه النشاطات التي يتفاعلون بين بعضهم من خلالها”.
بحسب الدراسات، “العلاقات الإجتماعية توفّر للإنسان الشعور بالسعادة والاطمئنان والأمان والراحة النفسية، وبالتالي تنتج شخصية متزنة نفسياً وصحياً”، لكن بعد إنتشار كورونا توقّفت كل العلاقات المباشرة بين الناس لتتحوّل الى علاقات “أونلاين”.
وتشير الى تأثير هذا الأمر على الأطفال خلال فترة التعليم عن بعد، قائلةً: “هذا التعليم يؤثّر على النمو الإجتماعي والنمو العاطفي لدى الأطفال كالقدرة على التحكم بمشاعرهم وفهمها، أو كالتعاطف مع غيرهم”.
إدعموا أطفالكم واصغوا لهم
هل ترغبون بمساعدة أطفالكم في تخطّي المشاكل النفسية التي تواجههم خلال فترة التعليم عن بعد؟ الخطوات سهلة وتساعد طفلكم بشكل كبير، بحسب مشعلاني التي تدعو الأهل للأخذ بالإرشادات التالية:
-إدعموا أطفالكم.
-حاولوا معرفة مخاوفهم للمستقبل، ولا تسخّفوا مشاعرهم أو تقللوا من أهميتها.
-شجّعوا أطفالكم على الحركات الجسدية والقيام بنشاطات كالرسم والموسيقى.
-شجّعوا أطفالكم على التّواصل مع الأصدقاء.
وتذكر المعالجة النفسية بأهمية أن تكون “الكاميرا” مفتوحة خلال التعليم عن بعد لتعزيز التفاعل بين الأطفال والمعلمة.
لألم العيون حصّة في “التعلم عن بعد”
تبدأ معاناة العين بعد ساعتين أو أكثر من التّحديق في الشّاشة. هذا وتذكر جمعيّة البصريات الأميركية (AOA) أن ” الاستخدام الطّويل لأجهزة الكمبيوتر يمكن أن يؤدّي إلى إجهاد العين، بحيث تظهر أعراض مثل عدم وضوح الرؤية، وجفاف وإحمرار وحكّة في العيون، والصّداع”.
كما يُطلق على الأعراض التي تواجه العيون بعد قضاء فترة طويلة أمام الكمبيوتر، تسمية “متلازمة رؤية الكمبيوتر” أو computer vision syndrome.
لتفادي إجهاد العيون
قدّم موقع all about vision الطبّي، نصائح لتقليل خطر الاصابة بهذه المتلازمة:
– إجراء مستخدمي الحاسب الآلي فحصاً للعين قبل البدء في استعمال تلك الأجهزة، ثم الخضوع لفحص آخر كل عام.
– تقليل وهج الشاشة الذي يؤدي إلى إجهاد العين، لذا يجب وضع شاشة مضادة للوهج فوق تلك الأساسية.
– غلق العين للحظات من أجل تفادي جفافها والتهابها عند استخدام الحاسب الآلي.
لتفادي إجهاد العين أيضاً، توصي جمعيّة البصريات الأميركية اعتماد قاعدة (20-20-20) للتقليل من إجهاد العين، أي أخذ استراحة مدتها 20 ثانية، بعد كل 20 دقيقة من استعمال الأجهزة الإلكترونية، للنظر إلى شيء يبعد 20 قدماً تقريباً.
لكل مشكلة حل، وطالما أن لا مفرّ من التعليم عن بعد، فلا بدّ للتلاميذ التّأقلم مع هذا الوضع، وعدم التردّد بإتباع الخطوات أعلاه التي تحافظ على صحتهم الجسدية والنفسية.
ستيفاني راضي